الورقة التقديمية للمؤلف الجماعي1

أعادت المتغيرات الجيواستراتيجية الدولية، بقوة تخصص الجغرافيا الاقتصادية والسياسية إلى الواجهة منذ مطلع الألفية الثالثة، إثر احتدام الصراع والتنافس بين القوى الكبرى والإقليمية حول الموارد وطرق تدبيرها وتثمينها واستدامتها من أجل تحويلها إلى فرص ومرتكزات للتنمية الاقتصادية، وأيضا حول المعارف والتكنولوجيات والبحوث العلمية في زمن الذكاء الاصطناعي.

في المقابل، فعالم اليوم أضحى أكثر تداخلاً وتعقيداً، ومطبوعاً بالأحداث الاستثنائية والفجائية ذات التأثير الواسع، ولهذا تتسابق البلدان من أجل توقع واستباق وتدبير وإدارة المخاطر والأزمات المتعددة الأبعاد سواء منها البيئية أو الوبائية أو الكوارث الطبيعية أو الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية.

نتج عن هذه الاتجاهات الجديدة، ظهور طلب قوي على الدراسات والأبحاث في ميادين الجغرافيا الاقتصادية والسياسية والاقتصادية والجيواستراتيجية وتدبير المخاطر وإدارة الأزمات والتخطيط الاستراتيجي. هذا الطلب يمس مباشرة الدول وأجهزتها الحكومية، لكن أيضاً المنظمات الدولية الرسمية منها وغير الحكومية، بل ويتعداها، ليشمل الشركات الكبرى العابرة للحدود، بالإضافة إلى وسائل الإعلام السمعي البصري ومنظمات المجتمع المدني، وصناع الرأي العالمي والوطني، ومختلف الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين.

إن الديناميات المتسارعة، لإعادة تشكيل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، دفعت بالقارة الإفريقية إلى ساحة الأحداث والاهتمام، لتشغل مكانة مركزية في قلب اهتمامات القوى العسكرية والاقتصادية الكبرى والإقليمية، وجعلت منها واحدة من أبرز ساحات التنافس والصراع الدولي حول الموارد والفرص والمعادن والمواقع الجغرافية الإستراتيجية، للسيطرة والتموقع ضمن ممرات التجارة الدولية البرية منها والبحرية.

إن الاستقطاب الحاد بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، قاد إلى حروب تجارية واقتصادية ودبلوماسية واصطفافات إقليمية حادة تنامت معها النزعة العسكرية وسباق التسلح، ولا أدل على ذلك، من استمرار الحرب الأوكرانية، بل ودخولها منعرجات خطيرة تهدد باندلاع حرب عالمية ثالثة، وتصاعد التهديد باستعمال الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل. ومن ذلك أيضاً سلسلة الأزمات الطاقية والغذائية والمناخية والوبائية (تبعات جائحة كوفيد-19).

تشغل إفريقيا مساحة تفوق 30 مليون كيلومتر مربع، كثاني أكبر قارة، وتتمتع بموقع جغرافي استراتيجي يتوسط بقية قارات العالم، بساكنة فتية وشابة تتجاوز مليار و400 مليون نسمة. وتمنحها البحار والمحيطات التي تحدها (المحيط الهندي، البحر الأحمر، البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلنطي) ميزة جيوسياسية وجيواقتصادية تمكنها من الإشراف على أهم المضائق والممرات البحرية للتجارة الدولية (مضيق باب المندب، قناة السويس، مضيق جبل طارق، رأس الرجاء الصالح).

تعيش هذه القارة الواعدة، على وقع تحولات كبرى ومصيرية، تستدعي تعميق البحوث والدراسات كونها تمس مختلف الأبعاد الجغرافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية والبيئية والثقافية.

تواجه إفريقيا إشكالات عميقة وبنيوية، تفاقم من حدتها التغيرات المناخية التي تدفع في اتجاه تمدد وزحف الصحراء الكبرى، وحدة الجفاف وأزمة نقص الماء والغذاء. كما تعاني جل بلدانها من ضعف قاعدتها الاقتصادية، وعدم الاستقرار بفعل تضارب توجهات ورهانات الفاعلين الدوليين والإقليميين، وهذا ما يجعلها عرضة لمخاطر الإرهاب وانتشار المجموعات المسلحة الانفصالية والإرهابية والجريمة المنظمة العابرة للحدود، ولإشكالات الهجرة غير النظامية.

إن المغرب، كدولة إفريقية متجذرة في التاريخ والجغرافيا الإفريقية، تحول إلى قوة إقليمية فاعلة ومؤثرة إفريقيا وأورومتوسطيا وأطلنتيا، يحمل مقاربة ملهمة للنخب والقيادات الإفريقية الجديدة، تهدف لتحقيق التنمية المشتركة، وتمتين الروابط وتعزيز التكتلات الإفريقية والتعاون الاقتصادي جنوب – جنوب وفق معادلة رابح – رابح. بل وأطلق المغرب فعليًا، سلسلة من المشاريع والمبادرات الاستراتيجية بمعية شركائه الأفارقة والدوليين، ستسهم في تحقيق الاستقرار والازدهار لفائدة شعوب المنطقة (المبادرة الملكية الأطلسية، ربط بلدان الساحل بالمنافذ البحرية المغربية وخط أنابيب الغاز نيجيريا – المغرب).

إن إنجاح القطيعة التامة مع تبعات الاستعمار بكل إرثه وأشكاله، يتطلب من القيادات والنخب الإفريقية مضاعفة جهود التنسيق والتعاون والشراكة البينية والتحالف البنيوي، وهو الطريق الوحيد لتحقيق السيادة التامة للدول، ولتحصين وحدة أراضيها وضمان عدم التدخل في شؤونها الداخلية.

ولا ينبغي، إغفال التحديات التي يفرضها السياق الإقليمي المتوتر، الذي يهدد بلدان الساحل وشمال وغرب إفريقيا، ومخاطر تفكك بلدانه (ليبيا - مالي)، خاصة في ظل الدور السلبي التي تقوم به بعض القوى، على حساب استقرار جيرانها واستهداف وحدتهم الترابية عبر احتضان وتسليح وتمويل ميليشيات انفصالية، وفق منظور ضيق ومغلوط لضمان زعامة إقليمية وقارية متوهمة.

إن ماستر الجغرافيا الاقتصادية والسياسية لإفريقيا، المعتمد حديثًا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، يستجيب لهذه الحاجة المتزايدة إلى الفهم العميق والشامل للديناميات الحالية والمستقبلية، الجغرافية والاقتصادية والسياسية والجيواستراتيجية والبيئية والاجتماعية على الساحات الدولية والإفريقية والإقليمية.

ويهدف الماستر، إلى تكوين جيل جديد من الطلبة المتمكنين من توظيف مقاربات متنافذة، متقاطعة ومتعددة التخصصات للتحليل المعمق لقضايا موزعة بين حقول معرفية متقاطعة ومتشابكة. وستمكن هذه المقاربات، من فهم أعمق للتحديات التي تواجه القارة الإفريقية، ومن الفهم العميق للإشكاليات وجرد الموارد واستطلاع الفرص والمخاطر المرتبطة بها. في أفق الإسهام في بناء منظور توقعي استباقي واستشرافي في تدبير وإدارة الأزمات بمختلف أشكالها وتعقيداتها.

إننا نهدف من خلال إصدار هذا الكتاب الجماعي الأول لماستر الجغرافيا الاقتصادية والسياسية لإفريقيا، إلى تحقيق استفادة أوسع للطلبة من تجارب دائرة موسعة، من الخبراء والمفكرين والباحثين، سواء من داخل الفريق البيداغوجي، أو من خارجه ضمن تخصصات (الجغرافيا السياسية، الجيوبوليتيك، الجيواستراتيجيا، الاقتصاد، التاريخ، علم الاجتماع، اللغات، العلاقات الدولية، القانون، العلوم السياسية، والعلوم الإنسانية والاجتماعية).

وأبعد من ذلك، سيمثل هذا المشروع، فرصة للانفتاح والعمل المشترك على تشبيك التعاون مع النخب الأكاديمية الإفريقية تحقيقًا لشكل جديد من أشكال السيادة، وهي السيادة الفكرية في هذا التخصص، وبناء مدرسة جيوسياسية إفريقية مستقلة، ومد جسور التواصل مع شبكة المراكز الإفريقية للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، ومن بلدان أمريكا اللاتينية والفضاء الأورومتوسطي.

محاور المشاركة 2

• المبادرة الملكية الأطلسية وأبعادها الاقتصادية والجيوسياسية والاستراتيجية
• المنظمات والمجموعات الإقليمية والاندماج الاقتصادي والسياسي في إفريقيا
• الجغرافيا الاقتصادية والتحديات البنيوية للاقتصادات الإفريقية
• جيوبوليتيك التنافس الدولي على الموارد الطاقية والمعدنية بإفريقيا
• جغرافية السكان والتحديات الديمغرافية والحضرية بإفريقيا
• جغرافية الأنظمة السياسية والنماذج التنموية الناجحة بإفريقيا
• جغرافية المخاطر الأمنية والنزاعات الحدودية بإفريقيا
• التغيرات المناخية والمخاطر البيئية والغذائية في إفريقيا
• إفريقيا والعولمة والتحولات الثقافية والاجتماعية
• منظمات المجتمع المدني وصناعة النخب في إفريقيا

معلومات، تواريخ وروابط مساعدة

لجنة التتبع والمواكبة

• ذ. موسى المالكي
• ذة. حنان حمودا
• ذ. عبد اللطيف الطاهري

اللجنة العلمية